فصل: تفسير الآية رقم (35):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (35):

{وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35)}
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: كانت قريش يعارضون النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف، يستهزءون ويصفرون ويصفقون، فنزلت {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية}.
وأخرج أبو الشيخ عن نبيط- وكان من الصحابة رضي الله عنه- في قوله: {وما كان صلاتهم عند البيت...} الآية. قال: كانوا يطوفون بالبيت الحرام وهم يصفرون.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والضياء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة تصفر وتصفق، فأنزل الله: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} قال: والمكاء الصفير، وإنما شبهوا بصفير الطير وتصدية التصفيق، وأنزل فيهم {قل من حرم زينة الله} [ الأعراف: 32] الآية.
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما. أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {إلا مكاء وتصدية} قال: المكاء، صوت القنبرة. والتصدية، صوت العصافير وهو التصفيق. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة وهو بمكة، كان يصلي قائماً بين الحجر والركن اليماني، فيجيء رجلان من بني سهم يقوم أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، ويصيح أحدهما كما يصيح المكاء، والآخر يصفق بيديه تصدية العصافير ليفسد عليه صلاته. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ ققال: نعم، أما سمعت حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه يقول:
نقوم إلى الصلاة إذا دعينا ** وهمتك التصدي والمكاء

وقال آخر من الشعراء في التصدية:
حتى تنبهنا سحيراً ** قبل تصدية العصافير

وأخرج ابن المنذر من طريق عطية عن ابن عباس رضي الله عنه قال: المكاء، الصفير. كان أحدهما يضع يده على الأخرى ثم يصفر.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إلا مكاء وتصدية} قال: المكاء الصفير، والتصدية التصفيق.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: المكاء الصفير، والتصدية التصفيق.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال: المكاء، إدخال أصابعهم في أفواههم. والتصدية، الصفير يخلطون بذلك كله على محمد صلى الله عليه وسلم صلاته.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال: المكاء، الصفير على نحو طير أبيض يقال له المكاء يكون بأرض الحجاز، والتصدية التصفيق.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {إلا مكاء} قال: كانوا يشبكون أصابعهم ويصفرون فيهن {وتصدية} قال: صدهم الناس.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه قال: كان المشركون يطوفون بالبيت على الشمال وهو قوله: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} فالمكاء، مثل نفخ البوق. والتصدية، طوافهم على الشمال.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} قال: يعني أهل بدر، عذبهم الله بالقتل والاسر.

.تفسير الآيات (36- 37):

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37)}
أخرج ابن اسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل كلهم من طريقه قال: حدثني الزهري، ومحمد بن يحيى بن حيان، وعاصم بن عمرو بن قتادة، والحصين بن عبد الرحمن بن عمر، قالوا: لما أصيبت قريش يوم بدر ورجع فلهم إلى مكة ورجع أبو سفيان بعيره، مشى عبد الله بن ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، في رجال من قريش إلى من كان معه تجارة. فقالوا: يا معشر قريش، إن محمداً قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه فلعلنا أن ندرك منه ثأراً. ففعلوا. ففيهم كما ذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنزل الله: {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله} إلى قوله: {والذين كفروا إلى جهنم يحشرون}.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله} قال: نزلت في أبي سفيان بن حرب.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم...} إلى قوله: {أولئك هم الخاسرون} قال: في نفقة أبي سفيان على الكفار يوم أحد.
وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن سعيد بن جبير في قوله: {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل...} الآية. قال: نزلت في أبي سفيان بن حرب، استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش من بني كنانة يقاتل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى من استجاش من العرب، فأنزل الله هذه الآية، وهم الذين قال فيهم كعب بن مالك رضي الله عنه:
وجئنا إلى موج من البحر وسطه ** أحابيش منهم حاسر ومقنع

ثلاثة آلاف ونحن نصية ** ثلاث مئين إن كثرن فأربع

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحكم بن عتيبة في قوله: {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله} قال: نزلت في أبي سفيان، أنفق على مشركي قريش يوم أحد أربعين أوقية من ذهب، وكانت الأوقية يومئذ اثنين وأربعين مثقالاً من ذهب.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله: {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله} وهو محمد صلى الله عليه وسلم {فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة} يقول: ندامة يوم القيامة.
وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه في قوله: {والذين كفروا إلى جهنم يحشرون} يعني النفر الذين مشوا إلى أبي سفيان، وإلى من كان له مال من قريش في تلك التجارة، فسألوهم أن يقووهم بها على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلوا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن شهر بن عطية رضي الله عنه {ليميز الله الخبيث من الطيب} قال: يميز يوم القيامة ما كان لله من عمل صالح في الدنيا، ثم تؤخذ الدنيا بأسرها فتلقى في جهنم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {فيركمه جميعاً} قال: يجمعه جميعاً.

.تفسير الآيات (38- 40):

{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)}
وأخرج ابن أحمد ومسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: «لما جعل الله الإِسلام في قلبي، أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يدك فلأبايعك. فبسط يمينه فقبضت يدي. قال: مالك...؟! قلت: أردت أن اشترط. قال: قال: تشترط قلت: ان يغفر لي. قال: أما علمت أن الإِسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله».
وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن أنس رضي الله عنه قال: لا يؤخذ الكافر بشيء صنعه في كفره إذا أسلم، وذلك أن الله تعالى يقول {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف}.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {فقد مضت سنة الأوّلين} قال: في قريش وغيرها يوم بدر والأمم قبل ذلك.

.تفسير الآية رقم (41):

{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)}
أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: ثم وضع مقاسم الفيء واعلمه. قال: {واعلموا أنما غنمتم من شيء} بعد الذي مضى من بدر {فأن لله خمسه وللرسول...} إلى آخر الآية.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {واعلموا أنما غنمتم من شيء} قال: المخيط من شيء.
وأخرج ابن المنذر عن ابن أبي نجيح رضي الله عنه قال: إنما المال ثلاثة: مغنم، أو فيء، أو صدقة. فليس فيه درهم إلا بين الله موضعه. قال في المغنم {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله} تحرجاً عليهم، وقال في الفيء {كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم} [ الحشر: 7] وقال في الصدقة {فريضة من الله والله عليم حكيم} [ التوبة: 60].
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم عن قيس بن مسلم الجدلي قال: سألت الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب بن الحنفية عن قول الله: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} قال: هذا مفتاح كلام، لله الدنيا والآخرة {وللرسول ولذي القربى} فاختلفوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين السهمين. قال قائل: سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة، وقال قائل: سهم النبي للخليفة من بعده. واجتمع رأي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله تعالى، فكان كذلك في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وأخرج ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية فغنموا خمس الغنيمة، فضرب ذلك الخمس في خمسة، ثم قرأ {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول} قال: قوله: {فأن لله خمسه} مفتاح كلام {لله ما في السموات وما في الأرض} [ البقرة: 284] فجعل الله سهم الله والرسول واحداً {ولذي القربى} فجعل هذين السهمين قوّة في الخيل والسلاح، وجعل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل لا يعطيه غيره، وجعل الأربعة أسهم الباقية، للفرس سهمين، ولراكبه سهم، وللراجل سهم.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {فأن لله خمسه} يقول: هو لله، ثم قسم الخمس خمسة أخماس {وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس.
فأربعة منها بين من قاتل عليها، وخمس واحد يقسم على أربعة أخماس، فربع لله ولرسوله ولذي القربى- يعني قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم- فما كان لله وللرسول، فهو لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأخذ النبي من الخمس شيئاً، والربع الثاني لليتامى، والربع الثالث للمساكين، والربع الرابع لابن السبيل، وهو الضيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية رضي الله عنه في قوله: {واعلموا أنما غنمتم من شيء...} الآية. قال: كان يجاء بالغنيمة فتوضع، فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على خمسة أسهم، فيعزل سهماً منه ويقسم أربعة أسهم بين الناس- يعني لمن شهد الوقعة- ثم يضرب بيده في جميع السهم الذي عزله، فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة، فهو الذي سمى لله تعالى: لا تجعلوا لله نصيباً، فإن لله الدنيا والآخرة، ثم يعمد إلى بقية السهم فيقسمه على خمسة أسهم. سهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {واعلموا أنما غنمتم من شيء...} قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وذو قرابته لا يأكلون من الصدقات شيئاً لا يحل لهم، فللنبي صلى الله عليه وسلم خمس الخمس، ولذي قراباته خمس الخمس، ولليتامى مثل ذلك، وللمساكين مثل ذلك، ولابن السبيل مثل ذلك.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وابن المنذر عن الشعبي رضي الله عنه قال: كان سهم النبي صلى الله عليه وسلم يدعى الصفى، إن شاء عبداً وإن شاء فرساً، يختاره قبل الخمس، ويضرب له بسهمه ان شهد وإن غاب، وكانت صفية ابنة حيي من الصفى.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء رضي الله عنه في الآية قال: خمس الله والرسول واحد، إن كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمل فيه ويصنع فيه ما شاء الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن جبير بن مطعم رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تناول شيئاً من الأرض أو وبرة من بعير فقال: والذي نفسي بيده مالي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه إلا الخمس، والخمس مردود عليكم».
وأخرج ابن المنذر من طريق أبي مالك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم ما افتتح على خمسة أخماس. فأربعة منها لمن شهده، ويأخذ الخمس خمس الله فيقسمه على ستة أسهم.
فسهم لله، وسهم للرسول، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل سهم الله في السلاح والكراع وفي سبيل الله، وفي كسوة الكعبة وطيبها وما تحتاج إليه الكعبة، ويجعل سهم الرسول في الكراع والسلاح ونفقة أهله، وسهم ذي القربى لقرابته، يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم مع سهمهم مع البأس، ولليتامى والمساكين وابن السبيل ثلاثة أسهم، يضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن شاء وحيث شاء، ليس لبني عبد المطلب في هذه الثلاثة إلا سهم، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم سهمه مع سهام الناس.
وأخرج ابن أبي حاتم عن حسين المعلم قال: سألت عبد الله بن بريدة رضي الله عنه في قوله: {فأن لله خمسه وللرسول} قال: الذي لله لنبيه، والذي للرسول لأزواجه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن السدي رضي الله عنه {ولذي القربى} قال: هم بنو عبد المطلب.
وأخرج الشافعي وعبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما. إن نجدة كتب إليه يسأله عن ذوي القربى الذين ذكر الله، فكتب إليه: انا كنا نرى أناهم، فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا: قريش كلها ذوو قربى.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما. أن نجدة الحروري أرسل إليه يسأله عن سهم ذي القربى الذين ذكر الله، فكتب إليه: إنا كنا نرى اناهم، فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا: ويقول: لمن تراه. فقال ابن عباس رضي الله عنهما: هو لقربى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قسمه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان عمر رضي الله عنه عرض علينا من ذلك عرضاً رأينا دون حقنا. فرددناه عليه وأبينا أن نقبله، وكان عرض عليهم أن يعين ناكحهم، وأن يقضي عن غارمهم، وأن يعطي فقيرهم، وأبى أن يزيدهم على ذلك.
وأخرج ابن المنذر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: سألت علياً رضي الله عنه فقلت: يا أمير المؤمنين، أخبرني كيف كان صنع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في الخمس نصيبكم؟ فقال: أما أبو بكر رضي الله عنه فلم تكن في ولايته أخماس، وأما عمر رضي الله عنه فلم يزل يدفعه إليّ في كل خمس حتى كان خمس السوس وجند نيسابور. فقال وأنا عنده: هذا نصيبكم أهل البيت من الخمس، وقد أحل ببعض المسلمين واشتدت حاجتهم فقلت: نعم. فوثب العباس بن عبد المطلب فقال: لا تعرض في الذي لنا. فقلت: ألسنا أحق من المسلمين وشفع أمير المؤمنين؟ فقبضه، فوالله ما قبضناه ولا صدرت عليه في ولاية عثمان رضي الله عنه، ثم أنشأ علي رضي الله عنه يحدث فقال: إن الله حرم الصدقة على رسوله فعوضه سهماً من الخمس عوضاً عما حرم عليه، وحرمها على أهل بيته خاصة دون أمته فضرب لهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سهماً عوضاً مما حرم عليهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رغبت لكم عن غسالة الأيدي، لأن لكم في خمس الخمس ما يغنيكم أو يكفيكم».
وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن الزهري وعبد الله بن أبي بكر «أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم سهم ذي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب».
وأخرج ابن أبي شيبة عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: «قسم رسول الله سهم ذي القربى على بني هاشم وبني المطلب، قال: فمشيت أنا وعثمان بن عفان حتى دخلنا عليه، فقلنا: يا رسول الله، هؤلاء اخوانك من بني هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم، أرأيت اخواننا من بني المطلب، أعطيتهم دوننا وإنما نحن وهم بمنزلة واحدة في النسب؟ فقال: إنهم لم يفارقونا في الجاهلية والإِسلام».
وأخرج ابن مردويه عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: آل محمد صلى الله عليه وسلم الذين أعطوا الخمس. آل علي، وآل عباس، وآل جعفر، وآل عقيل.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال: كان آل محمد لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {واعلموا أنما غنمتم من شيء} يعني من المشركين {فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى} يعني قرابة النبي صلى الله عليه وسلم {واليتامى والمساكين وابن السبيل} يعني الضيف، وكان المسلمون إذا غنموا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أخرجوا خُمْسَهُ فيجعلون ذلك الخمس الواحد أربعة أرباع، فربعه لله وللرسول ولقرابة النبي صلى الله عليه وسلم، فما كان لله فهو للرسول والقرابة وكان للنبي صلى الله عليه وسلم نصيب رجل من القرابة، والربع الثاني للنبي صلى الله عليه وسلم، والربع الثالث للمساكين، والربع الرابع لابن السبيل، ويعمدون إلى التي بقيت فيقسمونها على سهمانهم، فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم رد أبو بكر رضي الله تعالى عنه نصيب القرابة، فجعل يحمل به في سبيل الله تعالى، وبقي نصيب اليتامى والمساكين وابن السبيل.
وأخرج ابن أبي شيبة والبغوي وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن رجل من بلقين عن ابن عم له قال: قلت: يا رسول الله، ما تقول في هذا المال؟ قال «لله خمسه، وأربعة أخماسه لهؤلاء- يعني المسلمين- قلت: فهل أحد أحق به من أحد؟ قال: لا، ولو انتزعت سهماً من جنبك لم تكن بأحق به من أخيك المسلم».
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ وابن مردوبه والبيهقي في سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل قبل أن تنزل فريضة الخمس في المغنم، فلما نزلت {واعلموا أنما غنمتم من شيء...} الآية. ترك التنفل وجعل ذلك في خمس الخمس، وهو سهم الله وسهم النبي صلى الله عليه وسلم».
وأخرج ابن أبي شيبة عن مالك بن عبد الله الحنفي رضي الله عنه قال: كنا جلوساً عند عثمان رضي الله عنه قال: من هاهنا من أهل الشام؟ فقمت؟ فقال: أبلغ معاوية إذا غنم غنيمة أن يأخذ خمسة أسهم فيكتب على كل سهم منها: لله ثم ليقرع فحيثما خرج منها فليأخذه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي رضي الله عنه {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} قال: سهم الله وسهم النبي صلى الله عليه وسلم واحد.
وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين رضي الله عنه قال: في المغنم خمس لله وسهم النبي صلى الله عليه وسلم بالصفى، كان يصطفى له في المغنم خير رأس من السبي إن سبي وإلا غيره، ثم يخرج الخمس، ثم يضرب له بسهمه شهد أو غاب مع المسلمين بعد الصفى.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء بن السائب رضي الله عنه. أنه سئل عن قوله: {واعلموا أنما غنمتم من شيء} وقوله: {ما أفاء الله على رسوله} [ الحشر: 7] ما الفيء، وما الغنيمة؟ قال: إذا ظهر المسلمون على المشركين وعلى أرضهم فأخذوهم عنوة، فما أخذوا من مال ظهروا عليه فهو غنيمة، وأما الأرض: فهو فيء.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سفيان قال: الغنيمة ما أصاب المسلمون عنوة، فهو لمن سمى الله وأربعة أخماس لمن شهدها.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن جابر رضي الله عنه أنه سئل: كيف كان رسول الله يصنع في الخمس؟ قال: كان يحمل الرجل سهماً في سبيل الله، ثم الرجل، ثم الرجل.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم شيء واحد في المغنم يصطفيه لنفسه، أما خادم واما فرس، ثم نصيبه بعد ذلك من الخمس.
وأخرج ابن مردويه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سلمنا الأنفال لله ورسوله، ولم يخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً، ونزلت بعد {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين الخمس فيما كان من كل غنيمة بعد بدر.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن علي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ألا توليني ما خصنا الله به من الخمس؟ فولانيه.
وأخرج الحاكم وصححه عن علي رضي الله عنه قال: ولاني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الخمس، فوضعته مواضعه حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن مكحول رضي الله عنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا سهم من الخيل إلا لفرسين، وإن كان معه ألف فرس إذا دخل بها أرض العدوّ، قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر للفارس سهمين وللراجل سهم».
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر رضي الله عنهما «ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للفارس سهمين، وللراجل سهما».
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة رضي الله عنه. أوصى بالخمس وقال: أوصي بما رضي الله به لنفسه، ثم قال: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأَن لله خمسه}.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل رضي الله عنه في قوله: {إن كنتم آمنتم بالله} يقول: أقرُّوا بحكمي {وما أنزلنا على عبدنا} يقول: وما أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم في القسمة {يوم الفرقان} يوم بدر {يوم التقى الجمعان} جمع المسلمين وجمع المشركين.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {يوم الفرقان} قال: هو يوم بدر، وبدر: ماء بين مكة والمدينة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {يوم الفرقان} قال: هو يوم بدر، فرق الله بين الحق والباطل.
وأخرج سعيد بن منصور ومحمد بن نصر والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: {يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} قال: كانت بدر لسبع عشرة مضت من شهر رمضان.
وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كانت ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان في صبيحتها ليلة الجمعة، لسبع عشرة مضت من رمضان.
وأخرج ابن جرير عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: كانت ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان لسبع عشرة مضت من رمضان.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتل في آي من القرآن، فكان أوّل مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً، وكان رئيس المشركين يومئذ عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، فالتقوا يوم الجمعة ببدر لسبع أو ست عشرة ليلة مضت من رمضان، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً، والمشركون بين الألف والتسعمائة، وكان ذلك يوم الفرقان: يوم فرق الله بين الحق والباطل، فكان أول قتيل قتل يومئذ مهجع مولى عمر ورجل من الأنصار، وهزم الله يومئذ المشركين فقتل منهم زيادة على سبعين رجلاً وأسر منهم مثل ذلك.
وأخرج ابن أبي شيبة عن جعفر عن أبيه قال: كانت بدر لسبع عشرة من رمضان في يوم جمعة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. أنه سئل أي ليلة كانت ليلة بدر؟ فقال: هي ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة بقيت من رمضان.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عامر بن ربيعة البدري قال: كان يوم بدر يوم الاثنين لسبع عشرة من رمضان.